روائع مختارة | قطوف إيمانية | في رحاب القرآن الكريم | ومن يأمن البلاء بعد الخليل عليه السلام؟!

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
روائع مختارة
الصفحة الرئيسية > روائع مختارة > قطوف إيمانية > في رحاب القرآن الكريم > ومن يأمن البلاء بعد الخليل عليه السلام؟!


  ومن يأمن البلاء بعد الخليل عليه السلام؟!
     عدد مرات المشاهدة: 2748        عدد مرات الإرسال: 0

قال تعالى: {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِنًا وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَن نَّعْبُدَ الأَصْنَامَ*رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مِّنَ النَّاسِ فَمَن تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} [إبراهيم: 35-36].

وقف خليل الله إبراهيم عليه السلام داعيا ربه عز وجل، مبتهلا له سبحانه أن يهب الأمن والأمان للبلد الحرام، لكنه عليه السلام لم يدعُ لدنياه فحسب، إنما دعا لدينه كذلك، فسأل ربه أن يجنبه وبنيه عبادة الأصنام، التي أضلت كثيرا من الخلق، وعبَّدتهم لغير الله عز وجل.

يقول القرطبي: قوله تعالى: {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِنًا}، يعني مكة، وقد مضى في سورة البقرة {وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَن نَّعْبُدَ الأَصْنَامَ}، أي إجعلني جانبا عن عبادتها، وأراد بقوله: {بني} بنيه من صلبه وكانوا ثمانية، فما عبد أحد منهم صنما، وقيل: هو دعاء لمن أراد الله أن يدعو له، وقرأ الجحدري وعيسى {وأجنبني} بقطع الألف، والمعنى واحد، يقال: جنبت ذلك الأمر، وأجنبته وجنبته إياه فتجانبه وإجتنبه أي تركه، وكان إبراهيم التيمي يقول في قصصه: من يأمن البلاء بعد الخليل حين يقول {وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَن نَّعْبُدَ الأَصْنَامَ} كما عبدها أبي وقومي - تفسير القرطبي: سورة إبراهيم.

وقال الشنقيطي: قوله تعالى: {وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَن نَّعْبُدَ الأَصْنَامَ} الآية، لم يبين هنا هل أجاب دعاء نبيه إبراهيم هذا، ولكنه بين في مواضع أخر أنه أجابه في بعض ذريته دون بعض، كقوله: {وَمِن ذُرِّيَّتِهِمَا مُحْسِنٌ وَظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ مُبِينٌ} [الصافات:113]، وقوله: {وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ} [الزخرف:28] -أضواء البيان، تفسير سورة إبراهيم.

والشرك بالله عز وجل، وإتخاذ الآلهة والأنداد معه سبحانه وتعالى، هو أكبر فساد أحدثه ابن آدم في الأرض، فضل بذلك عن سواء السبيل، ولذا وصف إبراهيم عليه السلام الأصنام وعابديها بذلك الإضلال، يقول القرطبي: قوله تعالى: {رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مِّنَ النَّاسِ}، لما كانت سببا للإضلال أضاف الفعل إليهن مجازا، فإن الأصنام جمادات لا تفعل، {فَمَن تَبِعَنِي} في التوحيد {فَإِنَّهُ مِنِّي}، أي من أهل ديني، {وَمَنْ عَصَانِي} أي أصر على الشرك، {فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} قيل: قال هذا قبل أن يعرِّفه الله أن الله لا يغفر أن يشرك به، وقيل: غفور رحيم لمن تاب من معصيته قبل الموت، وقال مقاتل بن حيان: ومن عصاني فيما دون الشرك -تفسير القرطبي: سورة إبراهيم.

وقال البغوي: {رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مِّنَ النَّاسِ} يعني ضل بهن كثير من الناس عن طريق الهدى حتى عبدوهن، وهذا هو المقلوب، نظيره قوله تعالى: {إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءهُ} [آل عمران:175]، أي: يخوفهم بأوليائه، وقيل: نسب الإضلال إلى الأصنام لأنهن سبب فيه، كما يقول القائل: فتنتني الدنيا، نسب الفتنة إلى الدنيا لأنها سبب الفتنة -تفسير البغوي 4/355.

وقال ابن عاشور: والأصنام: جمع صنم، وهو صورة أو حجارة أو بناء يتخذ معبودا ويدعى إلها، وأراد إبراهيم عليه السلام مثل ود وسواع ويغوث ويعوق ونسر، أصنام قوم نوح، ومثل الأصنام التي عبدها قوم إبراهيم، وإعادة النداء في قوله رب إنهن أضللن كثيرا من الناس، لإنشاء التحسر على ذلك -التحرير والتنوير: 14/239.

ولعل في دعاء إبراهيم عليه السلام لربه سبحانه وتعالى أن يجنبه عبادة الأصنام، وهو خليل الله عز وجل، ونبيه المرسل، وهو أبو الأنبياء، وإمام الموحدين، لعل في ذلك أبلغ رد على من يزعم أن لا خوف على المسلمين من الشرك، وأن الدعوة إلى التحذير من الشرك وإجتنابه دعوة فارغة لا معنى لها لأن المسلمين لن يشركوا، ولا خوف عليهم من ذلك، فإن كان خليل الرحمن خاف على نفسه من الشرك، فمن يأمن البلاء بعد أبي الأنبياء عليه الصلاة والسلام؟!

اللهم جنِّبنا الزلل في القول والعمل، إنك سميع مجيب، وصل اللهم وسلم على نبينا محمد.

المصدر: موقع دعوة الأنبياء.